“وول ستريت جورنال” تكشف شبكة فساد “الجبري”: 11 مليار دولار مفقودة.. وعقارات على حساب الدولة
كشف تقرير لصحيفة “وول ستريت جونال” الأمريكية عن عمليات الفساد التي قادها الهارب سعد الجبري، وتزعُّمه خلال فترة عمله في وزارة الداخلية لأكثر من 15 عامًا شبكة فساد كبرى، ضمت بعض أقربائه ومعاونيه، وشملت إساءة صرف ما يقارب 11 مليار دولار من الأموال الحكومية، فضلاً عن منحهم لأنفسهم مليار دولار على الأقل، وشراء عقارات باهظة الثمن في الولايات المتحدة وكندا وتركيا.
تربُّح من وراء الدولة
ويُبحر التقرير في تفاصيل التحقيق السعودي حول فساد “الجبري” وأعوانه، وذلك في إطار الحملة التي ينفِّذها الأمير محمد بن سلمان لمكافحة الفساد، وتقديم الفاسدين إلى العدالة، مسلطًا الضوء على حقائق حول شبكة من مليارات الدولارات التي ساعدت هؤلاء المسؤولين على الوصول إلى الثراء عبر العمليات الحكومية.
إذ إن تلك الشبكة قد استفادت من خلال تحميل الحكومة المزيد من الرسوم مقابل العقود التي كانت تُبرم مع شركات غربية كبيرة، مثل International Business Machines Corp وOracle Corp. كما أنها استخدمت الحسابات الخارجية المرتبطة بالبنوك الغربية الكبيرة لتحويل الأموال.
إنفاق 11 مليار دولار.. وأرباح طائلة
وخلال 17 عامًا، أشرف فيها على الصندوق، تدفَّق ما يقارب 19.7 مليار دولار من خلاله، منها 11 مليار دولار تم إنفاقها بشكل غير صحيح من خلال رفع رسوم العقود، أو تحويلها إلى وجهات أخرى، بما في ذلك حسابات مصرفية خارجية، يسيطر عليها الجبري وعائلته وشركاؤه، إضافة إلى الأمير محمد بن نايف.
ويكشف التقرير عن أرباح طائلة، جنتها الشركات المرتبطة بعائلة الجبري من وراء مشتريات الحكومة السعودية من موردين عسكريين أمريكيين، وتدفقت الأموال نحوهم من خلال البنوك الدولية مثل HSBC.
وتورد الصحيفة الأمريكية مستنكرة حقيقة أنه “ليس من غير المألوف أن يجني أصحاب السلطة الأموال من أعمال الدولة السعودية”، مستشهدة بقول مسؤول سعودي: “إن مثل هذه المعاملات غير قانونية، وتعد سرقة من الخزانة العامة”.
شبكة فساد
واستغل “الجبري” الصندوق الذي أُنشئ في عهد الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز –رحمه الله-، الذي كان معنيًّا بمكافحة الإرهاب؛ للقيام بعمليات مالية غير مشروعة عبر شراكات مع شركات قطاع خاص مملوكة له، أو لأفراد عائلته والمقربين منه؛ ليُنشئ نظامًا يُمْكنه هو وزملاؤه الاستفادة منه.
فقد تلقى صندوق مكافحة الإرهاب نحو 19.7 مليار دولار من وزارة الداخلية، ولكن بحسب التحقيقات فإن “الجبري” ومعاونيه أساؤوا إنفاق11 مليار دولار من هذا المبلغ؛ إذ دفعوا لأنفسهم مليار دولار على الأقل.
كيف جاءت أرباحهم؟
ويستعرض التقرير عمليات الفساد التي تمت من وراء الصندوق الذي أشرف عليه “الجبري”؛ ليحقق الثراء من ورائه. فبحسب ما أوردته الصحيفة الأمريكية، فقد جاءت الأرباح من شركات مثل شركة تحكم التقنية التي تم تسجيلها في عام 2008؛ إذ موَّلت وزارة الداخلية شركة تحكم التقنية، ولكنها كانت مملوكة في بعض الأحيان من قِبل شقيق الجبري وابن أخيه واثنين من زملائه المقربين، كما تُظهر سجلات الشركات السعودية.
واشترت شركة تحكم التقنية البرمجيات والأجهزة من الشركات الأمريكية، بما في ذلك IBM وOracle وCisco Systems Inc وVMware Inc، وأعادت بيعها للحكومة، غالبًا بأرباح كبيرة.
وفي عام 2013 استثمرت شركة تحكم التقنية 50 مليون دولار قدمتها الحكومة في شركة أمريكية، تسمى Digital Signal Corp، ووصفها الجبري بأن لديها تكنولوجيا واعدة للعثور على الإرهابيين في الحشود. وقال الرئيس التنفيذي السابق للشركة، ديفيد غوتادورو، إن الحكومة السعودية أصبحت أكبر عميل لها، وإن شركة تحكم التقنية أكبر مستثمر لديها. لافتًا إلى أن الشركة [تحكم التقنية] لديها أشخاص مقربون من الجبري، يشغلون أدوارًا قيادية.
عمليات مشبوهة
ومن بين عمليات الفساد الأخرى: ذهب جزء كبير من الأموال التي تدفقت خارج الوزارة إلى شركة تسمى (شركة سكب السعودية القابضة)، تلقت أكثر من 26 مليار ريال سعودي (6.9 مليار دولار) في الفترة من 2008 إلى 2014، بحسب الحسابات المصرفية ووثائق التحويل.
كانت الوزارة ترسل بانتظام عشرات الملايين من الدولارات إلى حساب شركة سكب في البنك السعودي البريطاني التابع لشركة إتش إس بي سي. وبعدها تقوم شركة سكب بتحويل جزء كبير من النقد إلى حسابها في مصرف إتش إس بي سي الخاص في جنيف، ويتم إرسال بعض هذه الأموال إلى حسابات بأسماء مساعدي الجبري.
وتضيف الصحيفة بأنه غالبًا ما كان أكبر تحويل شهري إلى شركة مسجَّلة في جزر فيرجن البريطانية، تسمى Dreams International Advisory Services Ltd، يمتلكها بالكامل الجبري، كما تظهر الوثائق المصرفية.
وفي 3 إبريل 2017، على سبيل المثال، دفعت شركة سكب 28،289،316 دولارًا لشركة Dreams International؛ و14،955،983 دولارًا لحليف الجبري الحمد عبدالله، و2.716.026 دولارًا إلى ماجد المزيني، ابن أخت الجبري، كما تظهر الوثائق المصرفية. ولا يمكن معرفة أين انتهى المطاف بهذه الأموال، أو كيف تم استخدامها.
الجدير بالذكر أن محمد بن نايف قد تلقى مئات الملايين من الدولارات مباشرة من شركة سكب، ولكن في بعض الحالات تم دفعها لشركات أخرى، عملت لوزارة الداخلية، وذلك بحسب السجلات المصرفية والأشخاص المطلعين على التحقيق السعودي. وتساءل أحد التنفيذيين الأمريكيين: لماذا جاءت المدفوعات التي حصل عليها مقابل عقد مع الوزارة مباشرة من الحساب الشخصي للأمير؟
وقد تلقى الجبري نحو 250 مليون دولار من شركة سكب وشركات أخرى ممولة من وزارة الداخلية، وفقًا لوثائق البنك والأشخاص المطلعين على التحقيقات الجارية في السعودية.
تدفقات لأموال الدولة
ووفقًا لما توصل له المحققون السعوديون، فإن الجبري وشقيقه واثنين من أبناء أخيه واثنين من زملائه قد تلقوا أكثر من مليار دولار من المدفوعات المباشرة. كما أنهم يحققون أيضًا في مليارات الدولارات من تدفقات الأموال الأخرى غير المباشرة، وعقود مبطنة.
وتلفت الصحيفة الأمريكية إلى أن تلك الترتيبات قد انتهت في عام 2017 عندما تولى الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد، وأخذ على عاتقه تفكيك نظام المحسوبية.
صفقة الهواتف الفاسدة
وتم نقل ملكية شركة تحكم التقنية إلى الحكومة. واكتشف المحققون السعوديون أن وزارة الداخلية دفعت للشركة أكثر من 11 ألف دولار مقابل كل قطعة للحصول على 2000 هاتف أرضي وهاتف محمول أمن، تكلفته 500 دولار فقط، بحسب الأشخاص المطلعين على التحقيق. وقال الأشخاص إن الأجهزة تم التخلص منها في وقت لاحق؛ لأنها لم تعمل بشكل جيد. وأضاف الأشخاص أيضًا بأنهم اكتشفوا أن مساعدي الجبري قد ابتكروا أوراقًا تفيد بأن الشركة مدينة لهم بقروض بقيمة 30 مليون دولار.
ويتحجج المقربون من “الجبري” بأن تلك الأموال كانت تُستخدم لعمليات سرية لمكافحة الإرهاب إلا أن مسؤولاً حكوميًّا سعوديًّا رفض تلك الذرائع، قائلاً: “إنه ليس من المنطقي الدفع مقابل العمليات السرية من خلال حسابات يملكها الجبري أو أسرته أو العاملون معه”. ولم يكن الكثير من العمل الذي قامت به شركة تحكم التقنية سريًّا أيضًا؛ فقد تم إعلان بعض مشاريعها التي تستخدم فيها تكنولوجيا شركات غربية عبر بيان صحفي.
عقارات على حساب الدولة
وتُظهر سجلات الدولة وإيصالات الإيداع الخاصة بالشركات أنه في عام 2013 اشترت الشركات التابعة لسعد الجبري والدكتور خالد الجبري شقة بنتهاوس في بوسطن بمبلغ 3.5 مليون دولار، وأربع وحدات أخرى في المبنى نفسه مقابل ما بين 670 ألف دولار وما يزيد بقليل على مليون دولار.
ووفقًا لسجلات الدولة أيضًا، فقد اشترت شركة أسسها الجبري وابنه، ويديرها الأخير، شقة بقيمة 4.3 مليون دولار في فندق ماندارين أورينتال في بوسطن في عام 2017. وفي هذا العام أنفقت الشركة 13.75 مليون دولار أخرى على الشقق في فندق فور سيزونز ببوسطن. ووفقًا لأقاربه، فإن الجبري يمتلك أيضًا منازل في تورونتو حيث يقيم حاليًا، وفي تركيا كذلك.
وتسعى السعودية إلى تقديم الرجل الهارب منذ عام 2017م إلى العدالة لدفع فاتورة الفساد، وإساءة استخدام السلطة عبر السنين، إلا أن كندا -إذ يعيش في تورنتو حاليًا- لم توافق على تسليمه للسلطات السعودية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق